English
فصل في الحب والبغض
بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين، وعليه توكلنا.
الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، وحبيبه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد، فهذه قاعدة عظيمة في المحبة وما يتعلق بها، من جمع الإمام العلامة، شيخ الإسلام، بركة الأنام، بقية السلف الكرام، أبي العباس أحمد، بن الشيخ شهاب الدين عبد الحليم، بن الشيخ مجد الدين أبي البركات عبد السلام، ابن تيمية، رضي الله عنه وأرضاه .
قال رضي الله عنه : فصل في الحب والبغض، والمحمود من ذلك والمذموم. وأصل كل فعل وحركة في العالم من الحب والإرادة، فهو أصل كل فعل ومبدئه. كما أن البغض والكراهة مانع وصاد1 لكل ما انعقد بسببه ومادته، فهو أصل كل ترك، إذا فُسِّر الترك بالأثر الوجودي2، كما يفسّره بذلك أكثر أهل النظر.
وإذا عُني بالترك مجرد عدم الفعل، فعدم الفعل تارة يكون لعدم مقتضيه من المحبة والإرادة ولوازمهما، وقد يكون لوجود مانعه من البغض والكراهة وغيرهما .
فأما وجود الفعل فلا يكون إلا عن محبة أو إرادة، حتى دفعه للأمور التي يكرهها ويبغضها، هو لما في ذلك من المحبوب أو اللذة يجدها بالدفع، فيقال: شفى صدره وقلبه، والشفاء والعافية مبحبوب.
والمحبة والإرادة تكون3 إما بواسطة وإما بغير واسطة، مثل فعله للأشياء التي يكرهها، كشرب الدواء المكروه، وفعل الأشياء المخالفة لهواه وصبره، ونحو ذلك.
فإن هذه الأمور، وإن كانت مكروهة من بعض الوجوه، فإنما يفعل أيضا لمحبة وإرادة، وإن لم تكن لمحبة لذاتها، بل لمحبة للزمها، فإنه يحب العافية والصحة المستلزمة لإرادة شرب الدواء، ويحب رحمة الله ونجاته من عذابه المستلزم لإرادة ترك ما يهواه، كما قال تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى﴾ [النازعات: ٤٠] ، فلا يترك المحب ما / يحبه ويهواه إلا لما يحبه ويهواه، لكن يترك أضعفهما محبة لأقواهما محبة، كما يفعل ما يكرهه لما يحبه أقوى من كراهة ذلك، وكما يترك ما يحبه لما كراهته أقوى من محبة ذلك.
ولهذا كانت المحبة والإرادة أصلا للبغض وعلة لها، ولازما مستلزما4 لها من غير علة.
وفعل البغض في العالم إنما هو لمنافاة المحبوب، ولولا وجود المحبوب لم يكن البغض، بخلاف الحب للشيء؛ فإنه قد يكون لنفسه، لا لأجل منافاته للبغض5، وبغض الإنسان وغضبه مما يضاد وجود محبوبه، ومانع ومستلزم لا يكره عليه، ونجد قوة البغض للنافى أشد وأحوط.
ولهذا كان رأس الإيمان الحب في الله والبغض في الله ، وكان من أحب لله ، وأبغض لله ، وأعطى لله ، ومنع لله ، فقد استكمل الإيمان .
فالمحبة والإرادة أصل في وجود البغض والكراهة ، والأصل في زوال البغيض المكروه ، فلا يوجد البغض إلا المحبة ، ولا يزول البغيض إلا المحبة.
فالمحبة أصل كل أمر موجود ، وأصل دفع كل ما يطلب الوجود ، ودفع ما يطلب الوجود أمر موجود ، لكنه مانع من وجود ضده ، فهو أصل كل موجود من بغيض ومانع ولوازمهما .
وهذا القدر الذي ذكرناه من [أن]6 المحبة والإرادة أصل كل حركة في العالم ، فقد بينا في القواعد وغيرها أن هذا يندرج فيه كل حركة وعمل . فإن ما في الأجسام من حركة طبيعية فإن أصلها السكون ، فإنه إذا خرجت عن مستقرها7 كانت بطبعها تطلب مستقرها ، وما فيها 8 من حركة قسرية فأصلها من القاسر القاهر ، فلم تبق حركة اختيارية إلا عن الإرادة.
والحركات : إما إرادية ، وإما طبعية ، وإما قسرية . لأن الفاعل المتحرك إن كان له شعور بها فهي الإرادية ، وإن لم يكن له شعور فإن كانت على وفق طبع المتحرك فهى الطبعية ، وإن كانت على خلاف ذلك فهي القسرية.
وبينا أن ما في السموات والأرض ، وما بينهما من حركة الأفلاك والشمس والقمر والنجوم ، وحركة الرياح والسحاب والمطر والنبات وغير ذلك ، فإنما هو بملائكة الله تعالى الموكلة بالسموات والأرض ، الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون.
/ كما قال تعالى: ﴿ فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا ﴾ [سورة النازعات: ٥ ] ، ﴿ فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا ﴾ [سورة الذاريات: ٤ ] ، وكما دل الكتاب والسنة على أصناف الملائكة ، وتوكلهم بأصناف المخلوقات .
ولفظ « الملك » يشعر بأنه رسول منفذ لأمر غيره ، فليس لهم من الأمر شيء ، بل كم من ملك في السموات لا تعنى شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى ، ﴿ وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا . رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ﴾ [ سورة مريم: ٦٤ ، ٦٥ ] .
وإذا كان كذلك فجميع تلك المحبات والإرادات ، والأفعال والحركات ، هي عبادة لله رب الأرض والسموات ، كما قد بيناه في غير هذا الموضع .
وإذا كان كذلك فأصل المحبة المحمودة التي أمر الله بها ، وخلق خلقه لأجلها ، هي ما في عبادته وحده لا شريك له ، إذ العبادة متضمنة9 لغاية الحب بغاية الذل .
والمحبة لما كانت جنسا لأنواع10 متفاوتة في القدر والوصف كان أغلب ما يذكر منها في حق الله ما يختص به ويليق به ، مثل العبادة والإنابة ونحوها ؛ فإن العبادة لا تصلح إلا لله وحده ، وكذلك الإنابة .
وقد تذكر المحبة المطلقة11 لكن تقع فيها الشركة ، كما قال تعالى : ﴿ وَمِن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله [ سورة البقرة : ١٦٥ ] .
ولهذا كان هذا الحب أعظم الأقسام المذمومة في المحبة ، كما أن حب الله أعظم الأنواع المحمودة ، بل عبادة الله وحده لا شريك له هي أصل السعادة ورأسها ، التي لا ينجو أحد من العذاب إلا بها ، وعبادة إله آخر من دونه هو أصل السعادة ورأسها ، الذي لا يبقى في العذاب إلا أهله .
فأهل التوحيد الذين أحبوا الله وعبدوه وحده لا شريك له ، لا يبقى منهم في العذاب أحد . والذين اتخذوا من دونه أنداداً يحبونهم كحبه ، وعبدوا غيره ، هم أهل الشرك ، الذين قال الله تعالى فيهم : ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ ﴾ [ سورة النساء : ٤٨ ]12 .
وجامع القرآن هو الأمر بتلك المحبة ولوازمها ، والنهي عن هذه المحبات ولوازمها13 ، وضرب الأمثال والمقاييس للنوعين ، وذكر قصص أهل النوعين . وأصل دعوة جميع المرسلين ، صلى14 الله عليهم وسلم ، قولهم : ﴿ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ [ سورة الأعراف : ٥٩ ] ، وعلى ذلك قاتل من قاتل منهم المشركين ، كما قال خاتم الرسل ﷺ : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله "15 . / قال الله تعالى : ﴿ شَرَعَ لَكُم مِنَ الَّذِينَ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ﴾ [ سورة الشورى : ١٣ ] .
ولهذا قال ﷺ في الحديث المتفق عليه في الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : " ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان " وفي رواية في الصحيح : " لا يجد طعم الإيمان إلا من كان فيه ثلاث : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يرجع في الكفر بعد إذ أنقذه الله ، كما يكره أن يلقى في النار"16 .
وفي الصحيح عن أنس أيضاً عن النبي ﷺ قال : " والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين"17.
وفي صحيح البخاري أن عمر قال : يا رسول الله : والله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي ، فقال : " لا يا عمر ، حتى أكون أحب إليك من نفسك » . قال : فوالذي بعثك بالحق لأنت أحب إلي من نفسي . قال : « الآن يا عمر »18.
ولهذا ورد في فضل هذه الكلمة : « شهادة أن لا إله إلا الله » من الدلائل ما يضيق هذا الموضع عن ذكره ، وهي أفضل الكلام ، وما فيها من العلم والمحبة أفضل العلوم والمحبات ، كالحديث الذي في السنن : « أفضل الذكر لا إله إلا الله »19 .
والآية المتضمنة لها أعظم آية في القرآن ، كما في صحيح مسلم أن النبي ﷺ قال لأبي بن كعب : « يا أبا المنذر : أتدري أي آية في كتاب الله أعظم ؟ قال : ﴿ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ [ سورة البقرة : ٢٥٥ ] قال : فضرب بيده صدري ، وقال : ليهنك العلم أبا المنذر »20.
وإذا كانت كل حركة فأصلها الحب والإرادة من محبوب مراد لنفسه21، لا يحب لغيره ، إذ لو كان كل شيء محبوبا لغيره لزم الدور أو التسلسل. والشيء قد يحب من وجه دون وجه، وليس شيء يحب لذاته من كل وجه إلا الله وحده، ولا تصلح22 الإلهية إلا له ، ولو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا.
والإلهية المذكورة في كتاب الله هي العبادة والتأله، ومن لوازم ذلك أن يكون هو الرب الخالق. وأما ما يظنه طوائف من أهل الكلام أن الألوهية هي نفس الربوبية، وأن ما ذكر في القرآن من نفي إله آخر، والأمثال المضروبة البينة23 ــ فالمقصود به نفي رب يشركه في خلق العالم ، كما هو عادتهم في كتب الكلام ــ / فهذا قصور وتقصير منهم في فهم القرآن ، وما فيه من الحجج والأمثال أتوا فيه من جهة أن مبلغ علمهم هو ما سلكوه من الطريقة الكلامية ، فاعتقدوا أن المقصودين واحد24 ، وليس كذلك ، بل القرآن ينفي أن يعبد غير الله ، أو أن يتخذه إلها25 فيحبه ويخضع له محبة الإله وخضوعه ، كما بينت26 ذلك عامة آيات القرآن ، مثل قوله تعالى : ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا ﴾ [ سورة البقرة: ١٦٥ ] . ولهذا قال الخليل : ﴿ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ ﴾ [ سورة الأنعام: ٧٦ ] .
ومن المعلوم أن كل حي فله إرادة وعمل بحسبه ، وكل متحرك فأصل حركته المحبة والإرادة ، ولا صلاح للموجودات27 إلا أن يكون كمال محبتها وحركتها لله تعالى ، كما لا وجود لها إلا أن يبدعها الله.
ولهذا قال تعالى : ﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ﴾ [ سورة الأنبياء : ٢٢ ] ، ولم يقل : لعدمتا ، إذ هو قادر على أن يبقيها على وجهة الفساد ، لكن لا يمكن أن تكون صالحة إلا أن يُعبد الله وحده لا شريك له ، فإن صلاح الحي إنما هو صلاح مقصوده ومراده ، وصلاح الأعمال والحركات بصلاح إرادتها ونياتها. وهذا كان من أجمع الكلام وأبلغه قوله صلى الله عليه وسلم : « إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى » ، وهذا يعم كل عمل وكل نية.
وهذا كان من أجمع الكلام وأبلغه قوله صلى الله عليه وسلم : « إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى » (١) ، وهذا يعم كل عمل وكل نية.
فكل عمل في العالم هو بحسب نية صاحبه ، وليس للعامل (٢) إلا ما نواه (٣) وقصده وأحبه وأراده بعمله ، ليس في ذلك تخصيص ولا تقييد ، كما يظنه طوائف من الناس ، حيث يحسبون أن النية المراد به النية الشرعية المأمور بها ، فيحتاجون أن يحصروا (٤) الأعمال بالأعمال الشرعية ، فإن النية موجودة لكل متحرك ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : « أصدق الأسماء الحارث وهمام » (٥) ، فالحارث هو العامل (٦) الكاسب ، والهمام هو القاصد المريد ، وكل إنسان متحرك بإرادته حارث همام.
كما بينا أن المحبة والإرادة أصل كل عمل ، فكل عمل في العالم فمن إرادة ومحبة صدر.
ولهذا كانت المحبة والإرادة منقسمة إلى محبوب لله وغير محبوب ، كما أن العمل والحركة منقسم (١) كذلك.
وإذا كان كذلك فالمحبة لها آثار وتوابع - سواء كانت صالحة محمودة نافعة / أو كانت غير ذلك - لها وجد وحلاوة وذوق ووصال وصدود ، ولها سرور وحزن وبكاء.
والمحبة المحمودة هي المحبة النافعة ، وهي التي تجلب لصاحبها ما ينفعه ، وهو السعادة . والضارة هي التي تجلب لصاحبها ما يضره ، وهو الشقاء .
ومعلوم أن الحي العالم لا يختار أن يحب ما يضره ، لكن [ يكون ] (٢) ذلك عن جهل وظلم ، فإن النفس قد تهوى ما يضرها ولا ينفعها ، وذلك ظلم منها لها ، وقد تكون جاهلة بحالها به ، بأن تهوي الشيء وتحبه - بلا علم منها بما في محبته من المنفعة والمضرة – وتتبع هواها ، وهذا حال من اتبع هواه بغير علم .
وقد يكون عن اعتقاد فاسد ، وهو حال من اتبع الظن وما تهوى نفسه ، وكل ذلك من أمور الجاهلية ، وإن كان كل من جهلها وظلمها لا يكاد يخلو عن شبهة يشتبه بها الحق ، وشهوه هي في الأصل محمودة إذا وضعت في محلها ، كحال الذي يحب لقاء قريبه (٣) ، فإن هذا محمود ، وهو أصل صلة الرحم التي هي شجنة من الرحمن .
لكن إذا اتبع هواه ، حتى خرج عن العدل بين ذوي القربى وغيرهم ، كان هذا ظلما ، كما قال تعالى : ﴿ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ﴾ [ سورة الأنعام : ١٥٢ ] ، وقال تعالى : ﴿ كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ﴾ [ سورة النساء : ١٣٥ ] .
وكذلك الذي يحب الطعام والشراب والنساء فإن هذا محمود ، وبه يصلح حال بنى آدم ، ولولا ذلك لما استقامت نفس الأنساب ، ولا وُجدت الذرية ، ولكن يجب العدل والقصد في ذلك ، كما قال تعالى : ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ﴾ [ سورة الأعراف : ٣١ ] ، وكما قال تعالى : ﴿ إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ . فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ﴾ [ سورة المؤمنون : ٧ ، ٦ ] .
فإذا تجاوز حد العدل ، وهو المشروع ، صار ظالما عاديا ، بحسب ظلمه وعدوانه .
وقد ذكرنا / في مواضع [ أن (۲) ] المشروع ، والنافع ، والصالح ، والعدل ، والحق ، والحسن : أسماء متكافئة ، مسماها واحد بالذات ، وإن تنوعت صفاته ، بمنزلة أسماء الله الحسنى ، فأسماؤه تعالى ، وأسماء كتابه ، ودينه ، ونبيه ، مسمى كل صنف من ذلك واحد وإن تنوعت صفاته . فكل عمل صالح هو نافع لصاحبه وبالعكس ، وكل نافع صالح فهو مشروع وبالعكس ، وكل ما كان صالحا مشروعا فهو حق وعدل وبالعكس .
ولكن الناس قد يدركون أحد النعتين فيستدلون به على وجود الآخر، مثل أن يعلم أن الله أمر بهذا الفعل وشرعه ، فيعلم من هذا وجوب كونه طاعة لله ورسوله، وذلك الفعل بعينه يجب أن يكون عملاً صالحا، وهو النافع ، وأن يكون حقاً وعدلا، وهذا استدلال بالنص . وقد يعلم كون الشئ صالحا أو عدلا أو حسنا، ثم يستدل بذلك على كونه مشروعاً، وهو الاستدلال بالاستصلاح والاستحسان والقياس على كونه مشروعاً .
وهذه الطريقة فيها خطر عظيم ، والغلط فيها كبير، لخفاء صفات الأعمال وأحوالها عنها ، وأن العالم بذلك ، كما ينبغي ، ليس هو إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالاستدلال بالمصالح ، التي قد يقال لها المصالح المرسلة، هو الذي يرى الشئ مصلحة وليس في الشرع ما ينفيه ، فيستدل بالمصلحة على أنه من الشريعة .
والاستحسان : أن يرى الشئ حسنا فيستدل بحسنه على أنه من الشرع . والعدل : أن يرى للشئ نظيراً وشبيهاً ، فيستدل على حكمه بحكم نظيره وشبيهه ، وليس هذا موضع الكلام في ذلك .
لكن أعلم الناس من كان رأيه واستصلاحه واستحسانه وقياسه موافقاً للنصوص ، كما قال مجاهد : أفضل العبادة الرأى الحسن ، وهو اتباع السنة. وهذا قال تعالى : ﴿وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقِّ ) [سورة سبأ : 6] .
ولهذا كان السلف يسمون أهل الآراء المخالفة للسنة / والشريعة في مسائل الاعتقاد الخبرية ، ومسائل الأحكام العملية: أهل الأهواء، لأن الرأى المخالف للسنة جهل لا علم ، فصاحبه ممن اتبع هواه بغير علم .
وهذا يذكر الله في القرآن من يتبع هواه بغير علم ، ويذم من يتبع هواه بغير هدى من الله ، كما قال تعالى : ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ﴾ [سورة القصص: ٥٠ ] ، وقال تعالى : ﴿ وَإِنَّ كَثِيرًا لِّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ ﴾ [سورة الأنعام: ١١٩ ] .
وكل من اتبع هواه [ اتبعه ] بغير علم ، إذا لا علم بذلك إلا بهدى الله ، الذي بعث الله به رسله ، كما قال تعالى : ﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ . وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ ﴾ [ سورة طه : ١٢٣، ١٢٤ ] ولهذا ذم الله الهوى في مواضع من كتابه .
واتباع الهوى يكون في الحب والبغض ، كقوله تعالى : ﴿ يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ﴾ [ سورة ص : ٢٦ ] ، فهنا يكون اتباع الهوى هو ما يخالف الحق في الحكم . قال تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ
أَوْلَىٰ بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا ۚ وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴿١٣٥﴾ [سورة النساء: ١٣٥]. فهنا يكون اتباع الهوى فيما يخالف القسط من الشهادة وغيرها. والحق هو العدل، واتباع الهوى في خلاف ذلك هو من الظلم.
وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اتباع أهواء الخلق. وقال تعالى : ﴿وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۗ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾ ﴿١٢٠﴾ [سورة البقرة: ١٢٠] ، فنهاه عن اتباع أهواء الذين أوتوا الكتاب بعد ما جاءه من العلم.
وكذلك / قال تعالى في الآية الأخرى28: ﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ﴾ [سورة البقرة: ١٢٠] ، وقال تعالى: ﴿فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ ۗ ﴾ [سورة المائدة: ٤٩] .
وقال تعالى : ﴿قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَٰذَا ۖ فَإِن شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ﴾ [سورة الأنعام: ١٥٠] .
فقد نهاه عن اتباع أهواء المشركين واتباع أهواء أهل الكتاب ، وحذره أن يفتنوه عما أنزل الله إليه من الحق ، وذلك يتضمن النهي عن اتباع أهواء أحد في خلاف شريعته وسنته ، وكذا29 أهل الأهواء من هذه الأمة.
وقد بين ذلك في قوله تعالى : ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ . إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ۚ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۖ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ ﴾ [ سورة الجاثية: ١٩] . فقد أمره في هذه الآية باتباع الشريعة التي جعله عليها، ونهاه عن اتباع ما يخالفها ، وهي أهواء الذين لا يعلمون.
ولهذا كان كل من خرج عن الشريعة والسنة من أهل30 الأهواء ، كما سماهم السلف.
وقال تعالى : ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ﴾ [سورة المؤمنون : ٧١] .
وقال تعالى: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ ﴾ [ سورة المائدة: ٧٧] .
وقال تعالى: ﴿ وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ ﴾ [ سورة الأنعام: ١١٩] .
وقال تعالى: ﴿ قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ ۚ ﴾ إلى قوله: ﴿ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَىٰ مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ . فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ۖ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ۚ ﴾ [ سورة القصص: ٤٨ - ٥٠] .
وقال تعالى : ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُوْلَٰئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ۗ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ﴾ [ سورة محمد: ١٦، ١٧] .
فذكر الذين أوتوا العلم ، وهم الذين يعلمون أن ما أنزل إليه31 من ربه الحق ، ويفقهون ما جاء به ، وذكر المطبوع على قلوبهم فلا يفقهون إلا قليلا ، الذين اتبعوا أهواءهم32 يسألونهم ماذا قال الرسول آنفا ، وهذه حال من لم يفقه الكتاب والسنة ، بل يستشكل ذلك فلا يفقهه ، أو قرأه متعارضا متناقضا ، وهي صفة المنافقين .
ثم ذكر صفة المؤمنين فقال تعالى : ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ﴾ [ سورة محمد : ١٧] زيادة الهدى ، وهو ضد الطبع على قلوب أولئك ، وآتاهم تقواهم ، وهو ضد اتباع أولئك الأهواء .
فصاحب التقوى ضد صاحب الأهواء ، كما قال تعالى : ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ ﴾ [ سورة النازعات : ٤٠] ، وقال تعالى : ﴿إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَىٰ وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا ۚ ﴾ [ سورة الفتح : ٢٦] .
ولما كانت كل حركة وعمل في العالم فأصلها المحبة والإرادة ، وكل محبة وإرادة لا يكون أصلها محبة الله وإرادة وجهه فهي باطلة فاسدة ، كان كل عمل لا يُراد به وجهه باطلا، فأعمال الثقلين - الجن والإنس - منقسمة : منهم من يعبد الله ومنهم [ من ]33 لا يعبده ، بل قد يجعل معه إلها آخر . وأما الملائكة فهم عابدون لله .
وجميع الحركات الخارجة عن مقدور بني آدم والجن والبهائم فهي من عمل الملائكة ، وتحريكها لما34 في السماء والأرض وما بينهما ، / فجميع تلك الحركات والأعمال عبادات لله متضمنة لمحبته وإرادته وقصده ، وجميع المخلوقات عابدة لخالقها إلا ما كان من مردة الثقلين ، وليست عبادتها إياه قبولها لتدبيره35 وتصريفه وخلقه ، فإن هذا عام لجميع المخلوقات ، حتى كفّار بني آدم ، فلا يخرج أحد عن مشيئته وتدبيره ، وذلك بكلمات الله التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بها، فيقول : « أعوذ بكلمات الله التامات ، التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر »36 ، وهذا من عموم ربوبيته وملكه .
ولهذا الوجه هو الذي أدركه كثير من أهل النظر والكلام، حتى فسروا ما في القرآن والحديث من عبادة الأشياء وسجودها وتسبيحها بذلك ، وهم غالبون في37 هذا التخصيص شرعا وعقلا أيضا.
فإن المعقول الذي لهم يعرفهم أن كل شيء وكل متحرك ، وإن كان له مبدأ ، فلابد له من غاية ومنتهى – كما يقولون : له علتان : فاعلية وغاية. والذي ذكره إنما هو من جهة العلة الفاعلية ، وبعض38 المخلوقين كذلك يجعلونه [ من جهة ]العلة الغائية39 ، وهذا غلط .
فلا يصلح أن يكون شيء من المخلوقات علة فاعلية ولا غائية ، إذ لا يستقل مخلوق بأن يكون علة تامة قط ، ولهذا لم يصدر عن مخلوق واحد شيء قط ، ولا يصدر شيء في الآثار إلا عن اثنين من المخلوقات ، كما قد بينا هذا في غير هذا الموضع .
وكذلك لا يصلح شيء من المخلوقات أن يكون علة غائية تامة ، إذ ليس في شيء من المخلوقات كمال مقصود حتى من الأحياء40 . فالمخلوقات بأسرها يجتمع41 فيها هذان42 النقصان : أحدهما : أنه لا يصلح شيء منها أن تكون علة تامة ؛ لا فاعلية ولا غائية . والثاني : أن ما كان فيها علة فله علة ، سواء كان علة فاعلية أو غائية .
فالله سبحانه رب كل شيء ومليكه، وهو رب العالمين ، لا رب لشيء من الأشياء إلا هو ، وهو إله كل شيء، وهو في السماء / إله ، وفي الأرض إله ، وهو الله في السموات وفي الأرض ، لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا، وما من إله إلا الله ، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا .
فعبادة المخلوقات وتسبيحها هو من جهة إلهيته سبحانه وتعالى ، وهو الغاية المقصودة منها ولها .
وأما في الشرع فإن الله فصل بين هذا وبين هذا، فقال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ﴾ [سورة الحج: ١٨]43.
فهذا السجود الذي فصل بين كثير من الناس الذي يفعلونه ، وكثير من الناس [ الذين لا يفعلونه طوعا ]44 ، وهم الذين حق عليهم45 العذاب ، ليس هو ما يشترك فيه جميع الناس من خلق الله وربوبية الله تعالى إياهم وتدبيرهم .
وكذلك فصل بين الصنفين في قوله تعالى: ﴿ أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ﴾ [سورة آل عمران: ٨٣]
وكذلك في قوله : ﴿ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ﴾ [ سورة الرعد: ١٥] .
وهو سبحانه ذكر في الآية الأخرى46 سجود المخلوقات إلا الكثير من الناس، لأنه ذكر الطوع فقط ، كما ذكر في التي قبلها أديان الناس فقال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [سورة الحج: ١٧]، فتضمنت هذه الآية حال المخلوقات إلا الجن ، فإنهم لم يذكروا باللفظ الخاص، لكنهم يندرجون في الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين ، فإنهم كما قالوا : ﴿ وَمِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا ﴾ [ سورة الجن: ١١] .
وقد ذكر طائفة من أهل العربية أنهم يدخلون في لفظ الناس أيضاً.
/ وقال سبحانه : ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَىٰ مَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ . وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِن دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ . يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [ سورة النحل : ٤٨ - ٥٠] .
وفي الصحيحين حديث أبي ذر في سجود الشمس تحت العرش إذا غابت47 .
وقال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ ﴾ [سورة النور: ٤١] .
وقال تعالى: ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [ سورة الحديد: ١] ، ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [ سورة الحشر: ١] ، ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ العزيز الحكيم ﴾ [سورة الصف: ١]، ﴿ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾ [سورة الجمعة: ١]، ﴿ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [سورة التغابن: ١]، ﴿ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ﴾ [سورة الإسراء: ٤٤].
وقال تعالى: ﴿ وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِندَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَن عِبَادَتِهِ وَلَاهُمْ يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ ﴾ [سورة الأنبياء: ٢٠-١٩].
وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَن عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ ﴾ [سورة الأعراف: ٢٠٦].
وقال تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ . فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ ﴾ [سورة فصلت: ٣٨ ، ٣٧].
وقال تعالى: ﴿ لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَن عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا ﴾ [سورة النساء: ١٧٢] ، ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ﴾ [سورة النساء: ١٧٥].
وقال تعالى: ﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَا الرَّحْمَنُ وَلَدًا . لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا . تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا . أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا . وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا . إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ۘ لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا . وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ﴾ [سورة مريم: ٨٨ - ٩٥] .
وقال تعالى: ﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ . لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ . يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ . وَمَن يَقُل مِّنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ﴾ [سورة الأنبياء: ٢٦ - ٢٩].
وقال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ . وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ ﴾ [سورة الرعد: ١٢، ١٣] .
وقالت الملائكة: ﴿ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [سورة البقرة: ٣٠] .
وقال تعالى: ﴿ إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ . وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ ﴾ [سورة ص: ١٨ ، ١٩] .
فأما كثير من الناس، وأهل الطبع المتفلسفة وغيرهم، فيعلمون ظاهرًا من الحياة الدنيا، ويأخذون48 بظاهر من القول ؛ يرون ظاهر الحركات والأعمال التي للموجودات ، ويرون بعض أسبابها القريبة ، وبعض حكمها وغاياتها القريبة : أن ذلك هو العلة لها : فاعلا وغاية ، كما يذكرونه في تشريح الإنسان وأعضائه وحركاته الباطنة والظاهرة، وما يذكرونه من القوى التي في الأجسام ، التي هي تكون بها الحركة ، وما يذكرونه من كل شيء .
ومن ذلك ذكرهم49 الطبيعة التي في الإنسان ، والقوة الجاذبة ، والهاضمة الغاذية ، والدافعة ، والمولدة وغير ذلك ، وأن الرئة تروح على القلب لفرط حرارته ، وأن الدماغ أبرد من القلب50 ، إلى غير ذلك من الأسباب / والحكم التي فيها من شهود ما في مخلوقات الله من الأسباب والحكم ما هو عبرة لأولى الأبصار .
لكن يقع الغلط من إضافة هذه الآثار العظيمة إلى مجرد قوة في جسم ، ولا يشهدون الحكمة الغائية من هذه المخلوقات ، وأن ذلك هو عبادة ربها سبحانه وتعالى .
وقد يعارضهم51 كلهم طوائف من أهل الكلام ، فينكرون طبائع52 الموجودات وما فيها من القوى والأسباب، ويدفعون ما أرى الله عباده من آياته في الآفاق وفي أنفسهم ، مما شهد به في كتابه من أنه خلق هذا بهذا ، كقوله ﴿ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ ﴾ [سورة الأعراف: ٥٧] ، وقوله : ﴿ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ﴾ [سورة الجاثية : ٥] .
وكلا الطائفتين قد لا يعلمون ما فيها من الحكمة التي هي عبادة ربها ، وهذا هو المقصود الذي بعث الله به الرسل ، وأنزل به الكتب ، بل إنما يتنازعون في فاعل هذه الأمور ، وما يتعلق بتوحيد الربوبية ، كما قدمناه . وأما شهادة غاية هذه الأمور، وما يتعلق بتوحيد الإلهية ، فقد لا يهتدون له . وهذا كان في طرقهم من الضلالات والجهالات ما هو مخالف لصحيح المنقول وصريح المعقول .
لكن أهل العلم في إضافة جميع الحوادث إلى خلق الله ومشيئته وربوبيته أصح عقلا ودينا ، ومن أدخل في ذلك كل شيء ، حتى أفعال الحيوان ، فهو المصيب الموافق للسنة والعقل ، وهم متكلمة أهل الإثبات الذين يقررون أن الله خالق كل شيء وربه ومليكه .
بخلاف القدرية الذين أخرجوا عن ذلك أفعال الحيوان ، وبخلاف أهل الطبع والفلسفة الذين يخرجون عن ذلك عامة الكائنات من العلل المولدات ، وكلاهما باطل ، كما بين في غير هذا الموضع .
ولهذا تجد هؤلاء إذا تكلموا في الحركات التي بين السماء والأرض، مثل حركة الرياح والسحاب والمطر وحدوث المطر، من الهواء53 الذي بين السماء والأرض تارة ، ومن البخار المتصاعد من الأرض تارة ، كما ذكر ذلك أيضًا غير واحد من السلف ، وهو حق مشهود بالأبصار ، كما يُخلق الولد في بطن أمه من المنى ، وكما يُخلق الشجر من الحب والنوى ، فشهدوا بعض الأسباب المرئية ، وجهلوا أكثر الأسباب ، وأعرضوا عن الخالق المسبب لذلك كله ، وعما جاء في ذلك من عبادته وتسبيحه والسجود له ، الذي هو غاية حكمته .
فإن خلق الله سبحانه للسحاب بما فيه من المطر من هذا البحر والبخار الأرض ، كخلقه للحيوان والنبات والمعدن من هذه الأمور .
ومعلوم أن المنى جسم صغير مشابه لهذا الذي في الحيوان من الأعضاء المكسوة والمتنوعة في أقدارها وصفاتها وحكمها وغاياتها، هل يقول عاقل: إن هذا مضاف إلى عرض وصفة ؟ حال في جسم صغير ؟ أو يضاف هذا إلى ذلك الجسم الصغير؟ هذا من أفسد الأمور في بديهة العقل.
ومعلوم أنه لا نسبه إلى خلق هذا من هذا ، وإلى ما يصنعه بنو آدم من الصور التي يصنعونها من المداد ، مثل الكتابة بالمداد ، ونسيج الثياب من الغزل ، وصنعة الأطعمة والبنيان من موادها (۱) ، وهم مع ذلك لم يخلقوا المواد ولا يفنونها (۲) ، وإنما غايتهم حركة خاصة تعين على تلك الصورة ، ثم لو أضاف مضيف هذه الكتابة إلى المداد لكان الناس جميعا يستجهلونه ويستحمقونه .
فالذي يضيف خلق الحيوان والنبات إلى مادتها ، أو ما في مادتها من الطبع ، أليس هو أحمق وأجهل وأظلم وأكفر؟!
وكذلك خلق السحاب والمطر من الهواء والبخار، هو كذلك إضافة الزلزلة إلى احتقان البخار، وإضافة حركة الرعد إلى مجرد اصطكاك أجرام السحاب ، إلى غير ذلك من الأسباب التي ضلوا فيها ضلالا مبينا ، حيث جعلوها هي العلة التامة فاعلا ، ولم يعرفوا (۳) الغاية ، فجهلوا الوضعين . ونازعهم طوائف من الناس فيما يوجد من الأسباب والقوى التي في الطباع ، وذلك أيضًا جهل .
وإذا كانت المحبة والإرادة أصل كل عمل وحركة . وأعظمها في الحق محبة الله / وإرادته بعبادته وحده لا شريك له ، وأعظمها في الباطل أن يتخذ الناس من دون الله أندادًا يحبونهم كحب الله ، ويجعلون له عدلا وشريكا – علم أن المحبة والإرادة أصل كل دين ، سواء كان دينا صالحًا أو دينا فاسدًا ، فإن الدين هو من الأعمال الباطنة والظاهرة ، والمحبة والإرادة أصل ذلك كله ، والدين هو الطاعة والعبادة والخلق ، فهو الطاعة الدائمة اللازمة التي قد صارت عادة وخلقا ، بخلاف الطاعة مرة واحدة ، ولهذا فُسِّر الدين بالعادة والخلق ، ويفسر الخلق بالدين أيضًا ، كما في قوله تعالى : ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [سورة القلم : ٤]54 ، قال ابن عباس : على دين عظيم ، وذكره عنه سفيان بن عيينة ، وأخذه الإمام أحمد عن سفيان بن عيينة وبذلك فسراه55 .
وكذلك يفسر بالعادة ، كما قال الشاعر :أهذا دينه أبداً وديني ؟56 . ومنه « الديدن » . يقال : هذا ديدنه ، أي عادته57 اللازمة58 ، فإن « ديدن » من دأن ، بمنزلة صلصل من : صَلَّلَ ، وكبكبت من كب ، هو تضعيف له ، والمضعف قد يكون مشددًا ، وقد يكون حرف لين ، وهم يعاقبون في كلامهم كثيرا بين الحرف المشدد وحرف المثل59 ، كما يقال : تقضّى البازي وتقفّض ، ويقال : تسرّر وتسرّى60.
ودان : يكون من الأعلى القاهر ، ويكون من المطيع . يُقال : دِنته فدان ، أي : قهرته فذلَّ . كما قال : هو دانَ الرَّباب61 إذ كَرِهوُ الدَّيْدَ سَن ، دراكا بعزة وصيال62
ويُقال في الأعلى63 : « كما تدين تدان » . وأما دين المطيع فيستعمل متعديا ودائما ولازما ، يقال : دنت الله ، ودنت لله . ويقال : فلان لا يدين الله دينا ، ولا يدين الله ، لأن فيه معنى الطاعة والعبادة ومعنى الذل . فإذا قيل : دان الله فهو قولك : أطاع الله ، وأحبه ، وإذا قيل : دان لله ، فهو كقولك : ذلّ لله ، وخشع لله .
وقد ذكرت أن اسم العبادة يتناول غاية الحب بغاية الذل ، وهكذا الدين الذي يدين به الناس في الباطن والظاهر لابد فيه من الحب والخضوع ، بخلاف طاعتهم للملوك ونحوهم ، فإنها قد تكون خضوعا ظاهراً فقط .
والله سبحانه وتعالى سمى يوم القيامة يوم الدِّينِ ، كما قال : ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [سورة الفاتحة : ٤] ، وهو كما روى عن ابن عباس وغيره من السلف : « يوم يدين الله العباد بأعمالهم إن خيراً فخيراً ، وإن شرا فشرّاً64 ». وذلك يتضمن جزاءهم وحسابهم .
فلهذا من قال : هو يوم الحساب ويوم الجزاء ، فقد ذكر بعض صفات الدين ، قال تعالى : ﴿ كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ . وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ . كِرَامًا كَاتِبِينَ . يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ . إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ . وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ . يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ . وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ . ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ . يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ ﴾ [سورة الانفطار: ٩ - ١٩] .
/ وقال تعالى : ﴿ فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ . تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [سورة الواقعة : ٨٦ ، ٨٧] ، أي : مقهورين ، ومدبرين ، ومجزين65 .
وإذا كان كل عمل عن محبة وإرادة ، والترك يكون عن بغض وكراهة – وكل أحد همام حارث له حب وبغض ، لا يخلو الحي عنها66 ، وعمله يتبع حبه وبغضه ، ثم قد يكون ذلك في أمور هي له عادة وخلق ، وقد يكون في أمور عارضة لازمة – علم أن [ كل ]67 طائفة من بني آدم لابد لهم من دين يجمعهم ، إذ لا غنى لبعضهم عن بعض ، وأحدهم لا يستقل بجلب68 منفعته ودفع مضرته ، فلابد من إجتماعهم ، وإذا اجتمعوا فلابد أن يشتركوا في اجتلاب ما ينفعهم كلهم ، مثل طلب نزول المطر ، وذلك محبتهم له ، وفي دفع ما يضرهم مثل عدوهم ، وذلك بغضهم له ، فصار لابد أن يشتركوا في محبة شيء عام ، وبغض شيء عام ، وهذا هو دينهم المشترك العام .
وأما اختصاص كل منهم بمحبة ما يأكله ويشربه وينكحه ، وطلب ما يستره69 باللباس ، فهذا يشتركون في نوعه لا في شخصه . بل كل منهم يحب نظير ما يحبه الآخر لا عينه ، بل كل منهم لا ينتفع في أكله وشربه ونكاحه ولباسه بعين ما ينتفع به الآخر ، بل بنظيره .
وهكذا هي الأمور السماوية في الحقيقة ، فإن عين المطر الذي ينزل في أرض هذا ، ليس هو عين الذي ينزل في أرض هذا ، ولكن نظيره ، ولا عين الهواء البارد الذي يصيب جسد أحدهم ، قد لا يكون نفس عين الهواء البارد الذي يصيب جسد الآخر ، بل نظيره .
لكن الأمور السماوية تقع مشتركة عامة ، ولهذا تعلق حبهم وبغضهم بها عامة مشتركة . بخلاف الأمور التي تتعلق بأفعالهم كالطعام واللباس . فقد تقع مختصة وقد تقع مشتركة70 .
وإذا كان كذلك فالأمور التي يحتاجون إليها يحتاجون أن يوجبوها على أنفسهم ، والأمور التي تضرهم يحتاجون أن يحرموها على نفوسهم ، وذلك دينهم ، وذلك لا يكون إلا بإتفاقهم على ذلك ، وهو التعاهد والتعاقد .
ولهذا جاء في الحديث « لا إيمان لمن لا أمانة له ، ولا دين لمن لا عهده له »71.
فهذا هو من الدين المشترك بين جميع بني آدم : من التزام واجبات ومحرمات ، وهو الوفاء والعهد ،بخلاف وهذا قد يكون باطلا فاسدا، إذا كان فيه مضرة لهم راجحة على منفعته، وقد يكون دين حق إذا كانت منفعة خاصة أو راجحة .
كما قال تعالى : ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ . لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ . وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ . وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ . وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ . لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ﴾ [سورة الكافرون: ١-٦] . وقال تعالى: ﴿ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ ﴾ [سورة يوسف: ٧٦]72.
لكن الأمور السماوية تقع مشتركة عامة، وهذا تعلق حبهم وبعضهم بها عامة مشتركة. بخلاف الأمور التي تتعلق بأفعالهم كالطعام واللباس. فقد تقع مختصة وقد تقع مشتركة73.
وإذا كان كذلك فالأمور التي يحتاجون إليها يحتاجون أن يوجبوها على أنفسهم، والأمور التي تضرهم يحتاجون أن يحرموها على نفوسهم، وذلك دينهم، وذلك لا يكون إلا باتفاقهم على ذلك ، وهو التعاهد والتعاقد.
ولهذا جاء في الحديث «لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له»74.
فهذا هو من الدين المشترك بين جميع بنى آدم : من التزام واجبات ومحرمات ، وهو الوفاء والعهد ، وهذا قد يكون باطلا فاسدا ، إذا كان فيه مضرة لهم راجعة على منفعته ، وقد يكون دين حق إذا كانت منفعة خاصة أو راجحة.
كما قال تعالى : ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ . لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ . وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ. وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ . وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ . لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ﴾ [ سورة الكافرون : ١ - ٦ ] .
وقال تعالى: ﴿مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ ﴾ [ سورة يوسف: ٧٦ ]75 .
/ وقال تعالى : ﴿ قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ﴾ [ سورة التوبة : ٢٩ ] .
والدين الحق هو طاعة الله وعبادته ، كما بينا أن الدين هو الطاعة المعتادة التي صارت خُلُقا ، وبذلك76 يكون المطاع محبوبا مراداً77 ، إذ أصل ذلك المحبة والإرادة.
ولا يستحق أحد أن يُعبد ويُطاع على الإطلاق إلا الله وحده لا شريك له78 ، ورسله وأولو الأمر أطيعوا لأنهم يأمرون بطاعة الله ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه : « من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن أطاع أميري فقد أطاعنى ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن عصى أميرى فقد عصاني »79 .
وأما العبادة فلله وحده ليس فيها واسطة ، فلا يعبد العبد إلا الله وحده ، كما قد بينا ذلك في مواضع ، وبينا أن كل عمل لا يكون غايته إرادة الله وعبادته فهو عمل فاسد غير صالح ، باطل غير حق ، أي لا ينفع صاحبه.
وقد قال سبحانه : ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾ [ سورة البينة : ٥ ] .
وقال تعالى : ﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ﴾ [ سورة البقرة : ١٩٣ ] .
وقال تعالى : ﴿ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ﴾ [ سورة التوبة : ٣٦ ] .
وقال تعالى : ﴿ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [ سورة الأنعام : ١٦١ ] .
وقال تعالى : ﴿ فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ ﴾ [ سورة التوبة : ١٢٢ ] .
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين »80 .
وقال تعالى : ﴿ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ ﴾ . أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [ سورة البقرة : ٢١٧ ] .
وقال تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾ الآية [ سورة المائدة : ٥٤ ] .
وهو الدين الحق الذي هو عبادة الله وحده لا شريك له ، وطاعته وطاعة رسوله هو الإسلام العام الذي لا يقبل الله دينا غيره .
وهو الدين الحق الذي هو عبادة الله وحده لا شريك له ، وطاعته وطاعة رسوله هو الإسلام العام الذي لا يقبل الله دينا غيره .
كما قال تعالى : ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ﴾ [ سورة آل عمران : ١٩ ] ، وقال تعالى : ﴿ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [ سورة آل عمران : ٨٥ ] .
/ وقال تعالى : ﴿ أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ﴾ [ سورة آل عمران : ٨٣ ] .
وقال تعالى : ﴿ شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ﴾ [ سورة الشورى : ١٣ ] .
وقال تعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ﴾ [ سورة الأنعام : ١٥٩ ] .
فإذا كان لابد لكل آدمي من اجتماع ، ولابد في كل اجتماع من طاعة ودين ، وكل دين وطاعة لا يكون لله فهو باطل - فكل دين سوى الإسلام فهو باطل.
وأيضا فلابد لكل حي من محبوب ، هو منتهى محبته وإرادته ، وإليه تكون حركة باطنه وظاهره ، وذلك هو إلهه ، ولا يصلح ذلك إلا لله وحده لا شريك له ، فكل ما سوى الإسلام فهو باطل .
والمتفرقون أيضا فيه ، الذين أخذ كل منهم ببعضه وترك بعضه ، وافترقت أهواؤهم ، قد برىء الله ورسوله منهم.
ولابد في كل دين وطاعة ومحبة من شيئين : أحدهما : الدين المحبوب المطاع . وهو المقصود المراد .
والثاني : نفس صورة العمل التي تطاع81 ويعبد بها ، وهو السبيل والطريق والشريعة والمنهاج والوسيلة .
كما قال الفضيل بن عياض في قوله تعالى : ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [ سورة هود : ٧ ] قال : أخلصه وأصوبه . قالوا : يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه ؟ قال : إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل ، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل ، [ حتى يكون خالصا صوابا ]82 ، والخالص أن يكون لله ، والصواب أن يكون على السنة .
فهكذا كان الدين يجمع هذين الأمرين : المعبود ، والعبادة . والمعبود إله واحد ، والعبادة طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فهذا هو دين الله الذي ارتضاه ، كما قال تعالى : ﴿ وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [ سورة المائدة : ٣ ] ، وهو دين المؤمنين من الأولين والآخرين ، وهو الدين الذي لا يقبل الله من أحد غيره ، لأنه دين فاسد باطل ، كمن عبد من لا تصلح عبادته ، أو عبد بما لا يصلح أن يعبد به .
ثم مع اشتراك الأولين والآخرين في هذا الدين فيتنازعون في كل منهما ، فإن الله سبحانه له الأسماء الحسنى ، وله المثل الأعلى ، فقد تعرف هذه الأمة من أسمائه وصفاته ما لا تعرف به الأمة الأخرى، فهم مشتركون في عبادة نفسه، وإن تنوعوا فيما عرفوه وعبدوه به من أسمائه وصفاته.
وقد رفع الله بعضهم فوق / بعض درجات، فهذا تنوعهم في المعبود83،
وكذلك حالهم في معرفة اليوم الآخر.
وأما تنوعهم في العبادة والطاعة من الأقوال والأفعال؛ فإنهم متنوعون في ذلك أيضاً.
وقد قال تعالى : ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾ [ سورة المائدة : ٤٨ ] .
وقال تعالى : ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [ سورة الجاثية : ١٨ ] .
وقال تعالى : ﴿ لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ ﴾ [ سورة الحج : ٦٧ ] .
﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ﴾ [ سورة الحج : ٣٤ ] .
وقال تعالى : ﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ﴾ [ سورة البقرة : ١٤٨ ] .
وهذان الأصلان قد جاءت شريعتنا فيهما84 بأنواع : فجاءت في أسماء الله وصفاته بأنواع ، وجاءت في صفات العبادات بأنواع . والأصل الأول ينضم إليه اليوم الآخر وما جاء في نعته من الأسماء والصفات والوعد والوعيد.
وهذه الأصول الثلاثة : وهي الإيمان بالله ، وباليوم الآخر ، والعمل الصالح ، هي الموجبة85 للسعادة في كل ملة . كما قال تعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [ سورة البقرة : ٦٢ ] . والشرع86 ما جاءت به الرسل ، وهو الأصل الرابع .
فإن هذه الأصول الأربعة متلازمة ، والتفرق في ذلك بالأمر في بعضه ، والنهي عن بعض ، هو من التفرق والاختلاف الذي ذمه الكتاب والسنة من المختلفين .
وقال تعالى : ﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ﴾ [ سورة البقرة : ١٧٦ ] .
وقال تعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ﴾ [ سورة الأنعام : ١٥٩ ] .
وقال تعالى : ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ﴾ [ سورة آل عمران : ١٠٥ ] .
وهذا غضب النبي ﷺ لما اختلفوا في القراءة ، وقال : « كلاهما محسن »87 .
وقال : « إن القرآن نزل على سبعة أحرف فاقرؤوا منه ما تيسر »88 .
وكذلك غضب لما تنازعوا في القدر ، وأخذوا يعارضون بين الآيات معارضة تفضي إلى الإيمان ببعض دون بعض .
وهذا التفرق والاختلاف يوجب الشرك ، وينافي حقيقة التوحيد الذي هو إخلاص الدين كله [ لله ]89 ، كما قال تعالى : ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ﴾ [ سورة الروم : ٣٠ ] ، ﴿ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ [ سورة الروم :٣٢٬٣١ ] .
فإقامة وجهة الدين حنيفا ، وعبادة الله وحده لا شريك له – وذلك يجمع الإيمان بكل ما أمر الله به وأخبر به – أن يكون الدين كله لله .
ثم قال تعالى : ﴿ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ﴾ ، وذلك أنه إذا كان الدين كله لله حصل الإيمان والطاعة لكل ما أنزله وأرسل به رسله ، وهذا يجمع كل حق ، ويُجمع عليه كل حق .
وإذا لم يكن كذلك فلابد أن يكون لكل قول ما يمتازون به ، مثل معظم مطاع ، أو معبود لم يأمر الله بعبادته وطاعته ، ومثل قول ودين ابتدعوه لم يأذن الله به ، ولم يشرعه ، فيكون كل من الفريقين مشركاً من هذا الوجه .
وأيضا ففي قلوب بني آدم محبة وإرادة لما يتألهونه ويعبدونه ، وذلك هو قوام قلوبهم وصلاح نفوسهم ، كما أن فيهم محبة وإرادة لما يطعمونه وينكحونه ، وبذلك تصلح حياتهم ، ويدوم شملهم . وحاجتهم إلى التأله أعظم من حاجتهم إلى الغذاء ، فإن الغذاء إذا فقد فسد الجسم ، ويفقد التأله تفسد النفس ، ولن يصلحهم إلا تأله الله وعبادته وحده لا شريك له ، وهي الفطرة التي فطروا عليها ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه : « كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه »90 .
وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه أنه قال : « إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين91 ، وحرمت عليهم ما أحللت لهم ، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا »92 .
لكن أكثر الشرك في بني آدم بإيجاد إله آخر مع الله ، ودان بذلك كثير منهم في أنواع كثيرة .
فصار كل طائفة من بني آدم لابد لهم من دين لهذين الأمرين : لحاجة نفوسهم إلى الإله الذي هو محبوب مطلوب لذاته ولأنه ينفع ويضر ، ولحاجتهم إلى التزام ما يحبونه من الحاجات ويدفعونه من المضرات .
وهم مشركون في المحبة للأمور المنزَّلة : أعيانها وأنواعها ، فهم مشركون في محبة الإله الذي يعبدونه وتعظيمه ، ومحبة من يبلغ عنه ما يختص به ، ومحبة أوامره ونواهيه . مشركون / في محبة93 غير ذلك ، ومشركون أيضا في محبة جنس94 ما التزموه من الواجبات والمحرمات العامة ، التي هي جلب المنفعة لهم جميعا ، ودفع المضرة عنهم جميعا .
فهذه المحبة هي المحبة الدينية ، كحب الدين الذي هم عليه : حقاً كان أو باطلاً ، وكذلك محبة ما يعين على ذلك ويوصل إليه لأجل ذلك ، فهى أيضاً محبة دينية95 .
وليس المقصود بالدين الحق مجرد المصلحة الدنيوية من إقامة العدل بين الناس في الأمور الدنيوية ، كما يقوله طوائف من المتفلسفة في مقصود النواميس والنبوات : أن المراد بها مجرد وضع ما يحتاج إليه معاشهم في الدنيا من القانون العدلي الذي ينتظم به معاشهم ، لكن هذا قد يكون المقصود في أديان من لم يؤمن بالله ورسوله من أتباع الملوك المتفلسفة ونحوهم ، مثل : قوم نوح ، ونمرود ، وجنكيز خان96 وغيرهم97 .
فإن كل طائفة من بني آدم محتاجون إلى التزام واجبات ، وترك محرمات ، يقوم بها معاشهم وحياتهم الدنيوية . وربما جعلوا مع ذلك ما به يستولون به على غيرهم من الأصناف ويقهرونه ، كفعل الملوك الظالمين مثل جنكيز خان .
فإذا لم يكن مقصود الدين والناموس الموضوع إلا جلب المنفعة في الحياة الدنيا ، ودفع المضرة فيها ، فليس لهؤلاء في الآخرة من خلاق ، ثم إن كان مع ذلك جعلوه ليستولوا به على غيرهم من بني آدم ويقهرونهم ، كفعل فرعون وجنكيزخان98 ونحوهما ، فهؤلاء من أعظم الناس عذابا في الآخرة .
كما قال تعالى : ﴿ نَتْلُوا عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ٭ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [ سورة القصص : 3 ، 4 ] .
وقد قص الله سبحانه قصة فرعون في غير موضع من القرآن ، وكان هو وقومه على دين لهم من دين الملوك ، كما قال تعالى في قصة يوسف : ﴿ وَمَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ﴾ [ سورة يوسف : ٧٦] وهذا الملك كان فرعون يوسف ، وكان قبل فرعون موسى . وفرعون اسم لمن يملك مصر من القبط99 ، وهو اسم جنس كقيصر وكسرى والنجاشي ونحو ذلك .
وهؤلاء المتفلسفة الصابئة المبتدعة من المشائين ، ومن سلك مسلكهم من المنتسبين إلى الملل في المسلمين واليهود والنصارى ، يجعلون الشرائع والنواميس والديانات من هذا الجنس100 ، لوضع قانون تتم به مصلحة الحياة الدنيا، وهذا لا يأمرون فيها بالتوحيد ، وهو عبادة الله وحده ، ولا بالعمل للدار الآخرة ، ولا ينهون فيها عن الشرك ، بل يأمرون فيها بالعدل والصدق والوفاء بالعهد ، ونحو ذلك من الأمور التي لا تتم مصلحة الحياة الدنيا إلا بها101 ، ويشرعون التأله للمخلصين والمشركين.
وقد تكلمت على أقسام الديانات في غير هذا الموضع، وبينت الطبعي، والمللى ، والشرعي . وإنما جاء ذكر هذا هنا مطرداً .
وهذا يقيمون النواميس بأنواع من الحيل والسحر والطلسمات102، كما وضعوه في كتب ذلك ، ويقولون في بعض الطياليسم : هذا يصلح لوضع النواميس ، كما103 تواصت القرامطة والباطنية ، وكما كان يفعله سحرة فرعون وغيرهم - وآثارهم موجودة بذلك إلى اليوم - وكما يفعله المشركون من الترك والهند في بلادهم.
والمتفسلفة السابقة تجعل ذلك جنساً لما بعثت به الرسل من الآيات، ويجعلون موسى والسحرة والذين عارضوه من جنس واحد.
وهؤلاء كما قال تعالى فيهم: ﴿وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَالَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ﴾ [سورة البقرة: ١٠٢] هم مقرون بأن منفعة ذلك لا تكون في الآخرة، وإنما يرجون منفعته في الدنيا، وإن كان فيه بلوغ بعض الأغراض من رئاسة أو شهوة104 .
فهو كما قال الله تعالى: ﴿وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ﴾ [سورة البقرة: ١٠٢] إذ ما فيه من المضرة يربو105 على ما فيه من الخير106. قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [ سورة البقرة: ١٠٣] ، ولهذا كان ما نهى عنه من هذا الجنس إنما هو / لكون الضرر فيه أغلب من المنفعة ، فأما ما ينفع الناس فلم ينه الله عنه .
ولهذا لما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم الرقى107 قال : ( من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل»108 وقال : « لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك»109.
وذكر البخاري في صحيحه في استخراج السحر عن قتادة قال : « قلت لسعيد بن المسيب : رجل به طب أو يُؤْخَذُ عن امرأته : أيُحَلُّ عنه أو يُنْشَر؟ قال : لا بأس به ، إنما يريدون به الإصلاح ، فأما ما ينفع الناس فلم يُنه عنه110 .
1في الأصل: وضاد.
2في الأصل: الوجود.
3في الأصل: يكون.
4كلمة «ومستلزما» ليست واضحة في الأصل المخطوط، وكذا استظهرتها.
5في الأصل: للبغيض.
6زدت « أن » ليستقيم الكلام
7في الأصل : خرج عن مستقره
8في الأصل : وما فيه
9في الأصل : يتضمن
10في الأصل : أنواع
11في الأصل : المطلق
12لفظ الجلالة غير موجود في الآية في الأصل المخطوط.
13في الأصل : وتلازمها
14 في الأصل : وصلى
15مضى الحديث من قبل ١٥/١ (ت ١)
16 جاء الحديث بلفظ : " ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان . . . " عن أنس بن مالك رضي الله عنه في : البخاري ٨/١ ( كتاب الإيمان ، باب حلاوة الإيمان ) ، ٩/١ ( كتاب الإيمان ، باب من كره أن يعود في الكفر . . . ) ، ٢٠/٩ ، ( كتاب الإكراه ، باب من اختار الضرب . . . ) ؛ مسلم ٦٦/١ ( كتاب الإيمان ، باب بيان خصال . . . ) ؛ سنن ابن ماجه ١٣٣٨/٢ - ١٣٣٩ ( كتاب الفتن ، باب الصبر على البلاء ) .
وجاء الحديث بلفظ : " لا يجد أحد حلاوة الإيمان حتى يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وحتى أن يقذف في النار أحب إليه من أن يرجع إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله ، وحتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما " عن أنس رضي الله عنه في : البخاري ١٤/٨ ( كتاب الأدب ، باب الحب في الله ) .
17 ورد الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه في : البخاري ٨/١ ( كتاب الإيمان ، باب حب الرسول ﷺ من الإيمان ) ؛ مسلم ٦٧/١ ( كتاب الإيمان ، باب وجوب محبة رسول الله ﷺ أكثر من الأهل . . . ) ؛ المسند (ط . الحلبي) ١٧٧/٣ ، ٢٠٧ ، ٢٧٥ ، ٢٧٨ ؛ سنن ابن ماجه ٢٦/١ ( المقدمة ، باب في الإيمان ) .
18 الحديث عن عبد الله بن هشام رضي الله عنه في : البخاري ١٢٩/٨ ( كتاب الإيمان ، باب كيف كانت يمين النبي ﷺ ) ولفظ الحديث : لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك... الحديث.
19 الحديث عن عبد الله بن هشام رضي الله عنه في : البخاري ١٢٩/٨ ( كتاب الإيمان ، باب الحديث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه في : سنن ابن ماجه ١٢٤٩/٢ ( كتاب الأدب ، باب فضل الحامدين ) ؛ سنن الترمذي ١٣٠/٥ ( كتاب الدعوات ، باب ما جاء أن دعوة المسلم مستجابة ) ونصه فيه : « أفضل الذكر لا إله إلا الله ، وأفضل الدعا ألحمد لله » . وقال الترمذي : « هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث موسى بن إبراهيم . وقد روى على بن المديني وغير واحد عن موسى بن إبراهيم هذا الحديث » وذكر الألبانى الحديث في « صحيح الجامع الصغير » ٣٦٢/١ وحسنه .
20 الحديث بألفاظ مختلفة عن أبي بن كعب رضي الله عنه في : مسلم ٥٥٦/١ ( كتاب صلاة المسافرين وقصرها ، باب فضل سورة الكهف وآية الكرسي ) ؛ وفي المسند (ط . الحلبي) ١٤٢/٥ وعن صحابي لم يذكره اسمه ٥٨/٥ .
21في الأصل : بنفسه .
22في الأصل : ولا يصلح.
23البيئة : الكلمة في الأصل غير واضحة ، وكذا استظهرتها.
24في الأصل : واجله، وهو تحريف.
25في الأصل : أو أن يتخذه الله ، وهو تحريف . وأرجو أن يكون الصواب ما أثبته.
26كلمة « بينت » غير واضحة في الأصل ، وكذا استظهرتها.
27في الأصل : الموجودات .
28في الأصل: أخرى.
29في الأصل: وهو، وفوقها كتب: كذا. وأرجو أن يكون الصواب ما أثبته.
30في الأصل : .... والسنة كان من أهل ....
31أى إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
32في الأصل : يسلونهم .
33زدت « من » ليستقيم الكلام.
34في الأصل: مما.
35في الأصل: التدبير.
36مضى الحديث في المجموعة الأولى ص: ١٠ (ت ١) وأوردته كاملا هناك فارجع إليه.
37في الأصل: وفي.
38في الأصل : بعض.
39في الأصل : يجعلون العلة الغائية ، ولعل ما أثبته يستقيم به الكلام .
40في الأصل : من الأحياء مراد .
41في الأصل : يجمع.
42في الأصل : هذا.
43سقطت في الأصل بعض ألفاظ الآية الكريمة .
44زدت عبارة « والذين لا يفعلونه طوعا » ليستقيم الكلام .
45في الأصل : عليه .
46أى آية ١٨ من سورة الحج التي ذكرها ابن تيمية قبل سطور قليلة .
47ذكرت في مجموعة الرسائل ٣٦/١ الحديث الذي يشمل هذا المعنى وهو في : البخاري ١٢٥/٩ ( كتاب التوحيد ، باب وكان عرشه على الماء ) ؛ مسلم ١٣٨/١ ( كتاب الأيمان ، باب بيان الزمن الذي لا يقبل فيه الإيمان ) ولفظ الحديث في البخاري هو : « عن أبي ذر قال : دخلت المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس ، فلما غربت الشمس قال : يا أبا ذر هل تدري أين تذهب هذه؟ قال : قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : فإنها تذهب تستأذن في السجود فيؤذن لها ، وكأنها قد قيل لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها . ثم قرأ : ( ذَٰلِكَ مُسْتَقَرٌّ لَهَا ) في قراءة عبد الله » . وقد أورد ابن تيمية الحديث في الموضع المشار إليه مع اختلاف في الألفاظ . وانظر الدر المنشور ٥/ ٢٦٣ .
48في الأصل : ويشترون ، ولعل الصواب ما أثبته
49في الأصل : وذكرهم ، وهو تحريف .
50بعد كلمة « القلب » توجد عبارة غير واضحة في الأصل كأنها : « لكن والحركات عليه تعديلا له ولواجهه » والكلام يستقيم بدونها .
51في الأصل: بعواطهم ، وهو تحريف .
52في الأصل: طباع .
53في الأصل : الهوى .
54في الأصل : إنك ...
55سبق الكلام على تفسير هذه الآية في هذه المجموعة (ص: ٥٦) .
56في « لسان العرب » أن هذا الكلام للمثقب العبدى يذكر ناقته وتمام البيت : تقول إذا درأتُ لها وضيني أهذا دينه أبداً وديني؟
والبيت في ديوان المثقب القصيدة رقم ٧٦ في « المفضليات» (تحقيق الشيخ أحمد شاكر رحمه الله، والأستاذ عبد السلام هارون ، ط . دار المعارف ، الطبعة الثانية ، القاهرة ١٩٥٢/١٣٧١) .
57في الأصل : عبادته ، وهو تحريف .
58في « اللسان» : « والديدن: العادة والشأن ، تقول العرب : ما زال ذلك ديدني وديدني أى عادتى »
59كلمة « المثل » غير منقوطة في الأصل ، وكتب فوقها كلمة « كذا » .
60في الأصل: تسور وتسرر ، وهو تحريف .
61في الأصل: الذباب ، وهو تحريف .
62 في الأصل: فأضحوا بعزة ووصيال . وفي « لسان العرب » مادة « دين » : قال الأعشى يمدح رجلا :
هُوَ دَانَ الرَّبَابَ ، إِذْ كَرِهُوا الدَّيْدَ سَنٌّ دِراكاَ بَعِزَّةِ وَصِيَالِ ثُمَّ دَانَتْ بَعْدَ الرُّبَابِ ، وَكَانَتْ كَذَنَابِ عُقُوبَةِ الأَقْوَالِ
قال: هو دان الرّباب يعني أذلها ، ثم قال دانت بعد الرباب، أي ذلت له وأطاعته، والدين لله من هذا إنما هو طاعته والتعبد له. ودانه ديناً أي أذله واستعبده. يقال : دِنْتُه فدان . والبيت في « ديوان الأعشى » ، ص ١٢ ، القصيدة الأولى، تحقيق رودلف جاير ، ط . فيينا، ۱۹۲۷ . وجاء في رواية للبيت : بعزة وصيال .
63في الأعلى : كذا بالأصل ، ولعل الصواب : في المثل .
64في الأصل : إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر . وهذا الأثر في تفسير الطبري (ط . المعارف) ١٥٦/١ : ... عن عبد الله بن عباس : (يوم الدين) ، قال : يوم حساب الخلائق ، وهو يوم القيامة ، يدينهم بأعمالهم ، إن خيراً فخيراً ، وإن شرا فشرّاً ، إلا من عفا عنه ، فالأمر أمره . ثم قال : (ألا له الخلق والأمر) [سورة الأعراف : ٥٤] .
65يقول ابن الجوزي في تفسيره «زاد المسير» ٨ / ١٥٥ - ١٥٦ : وقوله تعالى : (غير مدينين) فيه خمسة أقوال . أحدها : محاسبين ، رواه الضحاك عن ابن عباس وبه قال الحسن وابن جبير وعطاء وعكرمة . والثاني : موقنين ، قاله مجاهد . والثالث : مبعوثين ، قاله قتادة . والرابع : مجزيين . ومنه يقال : دنته ، وكما تدين تدان ، قاله أبو عبيدة . والخامس : مملوكين أذلاء ، من قولك : دنت له بالطاعة ، قاله ابن قتيبة ا .
66في الأصل : عنها .
67زدت « كل » ليستقيم الكلام .
68في الأصل : لجلب .
69في الأصل : ما يضره ، وهو تحريف .
70في الأصل : فقد يقع مختصرا وقد يقع مشتركا.
71الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه في مسند أحمد (ط . الحلبي) ١٣٥/٣ وأوله : " ... عن أنس بن مالك قال : ما خاطبنا نبي الله ﷺ إلا قال : لا إيمان لمن لا أمانة له ... " وهو أيضا فيه . ١٥٤/٣، ٢١٠، ٢٥١.
72يقول ابن الجوزي في « زاد المسير » ٢٦١/٤: " في المراد بالدين ها هنا قولان : أحدهما : أنه السلطان، فالمعنى في سلطان الملك، رواه العرف عن ابن عباس . والثاني : أنه القضاء، فالمعنى في قضاء الملك ، لأن قضاء الملك أن من سرق إما يضرب ويغرم . قاله أبو صالح عن ابن عباس " . وانظر تفسير الطبری للآتية (ط . المعارف) ١٦/١٨٨ - ١٩٠.
73في الأصل : فقد يقع مختصا وقد يقع مشتركا.
74الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه في مسند أحمد (ط. الحلبي) ٣/ ١٣٥ وأوله : ... عن أنس بن مالك قال : ما خاطبنا نبي الله صلى الله عليه وسلم الا قال : لا إيمان لمن لا أمانة له .... وهو أيضا فيه ٤ / ١٥٤، ٢١٠، ٢٥١.
75يقول ابن الجوزي في « زاد المسير » ٢٦١/٤ : في المراد بالدين هنا قولان : أحدهما: أنه السلطان ، فالمعنى في سلطان الملك ، رواه العوفي عن ابن عباس. والثاني: أنه القضاء، فالمعنى في قضاء الملك ، لأن قضاء الملك أن من سرق إما يُضْرَب ويُغَرَّم ، قاله أبو صالح عن ابن عباس». وانظر تفسير الطبري للآية (ط . المعارف) ١٦/ ١٨٨ – ١٩٠ .
76في الأصل : وذلك.
77في الأصل : محبوب مراد ، وهو خطأ.
78له : ساقطة من الأصل.
79جاء الحديث مختصرا ومطولا مع الاختلاف في الألفاظ عن أبي هريرة رضي الله عنه في : البخاري ٦١/٩ ( كتاب الأحكام ، باب قول الله تعالى : أطيعوا الله وأطيعوا الرسول .... ) ؛ مسلم ٣ / ١٤٦٥ ، ١٤٦٦ ( كتاب الإمارة ، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية ) ؛ سنن النسائي ٧/ ١٣٨ ( كتاب البيعة ، باب الترغيب في طاعة الإمام ) ، ٨/ ٢٤٣ ( كتاب الاستعاذة ، باب الاستعاذة من فتنة المحيا ) ؛ سنن ابن ماجه ٤/١ ( المقدمة ، باب اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ، ٤ / ٩٥٤ ( كتاب الجهاد ، باب طاعة الإمام )؛ المسند ( ط . المعارف ) ١٣ / ٥٢ ، ١٧٣ - ١٧٤ ، ١٤ / ٧٦ ، ٣٩/١٦ - ٤٠ ، ١٧ / ١٠٧ ، ١٨ / ٩٥ ؛ المسند ( ط . الحلبي ) ٢ / ٤٦٧ ، ٤٧١ ، ٥١١ .
80الحديث عن ابن عباس وأبي هريرة ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم في : البخاري ١/ ٢١٧ ( كتاب العلم ، باب من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ) ، ٤/ ٨٤ ( كتاب الخمس ، باب قول الله تعالى فإن لله خمسه ) ، ٩/ ١٠١ ( كتاب الاعتصام ، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق .... ) ؛ مسلم ٢/ ٢١٨، ٢١٩ ( كتاب الزكاة ، باب النهي عن المسألة ) ؛ سنن الترمذي ٤/ ١٣٧ ( كتاب العلم ، باب إذا أراد الله بعبد خيرا فقهه في الدين ) وقال الترمذي : وفي الباب عن عمر وأبي هريرة ومعاوية ؛ سنن ابن ماجة ١/ ٨٠ ( المقدمة ، باب فضل العلماء والحث على طلب العلم ) ؛ سنن الدارمي ٢/ ٢٩٧ ( كتاب الرقائق ، باب من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين )؛ المسند ( ط . المعارف ) ٤/ ٢٨٢ ، ١٢ / ١٨٠ ، المسند ( ط . الحلبي ) ٤ / ٩٢ ، ٩٣، ٩٤ ، ٩٥ ، ٩٦ ، ٩٧ ، ٩٨ ، ٩٩ ، ١٠١ ، ٢٨٢ .
81في الأصل : يطاع.
82ما بين المعقوفين من كلام الفضيل بن عياض ، وسبق ورود هذا الكلام في المجموعة الأولى ، ص : ٢٥٧.
83كتب في أعلى هذه الصفحة إلى اليسار : « الثاني » .
84في الأصل : فيها.
85في الأصل : هو الموجب.
86في الأصل : والنوع.
87الحديث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في موضعين في: البخاري ١٢٠/٣ (كتاب الخصومات ، باب ما يذكر في الأشخاص والخصومة بين المسلم واليهود )، ١٧٥/٤ ( كتاب الأنبياء، الباب الأخير : حدثنا أبو اليمان...) ونصه في الموضع الأخير : ٥..... عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رجلا قرأ وسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ خلافاها ، فجئت به النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته ، فعرفت في وجه الكراهية ، وقال : « كلا محسن ، ولا تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا » .
والحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه في: المسند (ط. المعارف) ٢٢٤/٥ - ٣٢٥ ، ٥/٦ ، ٥ - ٦ ، ١٥٥ ، ١٦٩. وجاء الحديث عن أبي بن كعب رضي الله عنه (وفيه بيان أنه كان هو الرجل الآخر وفي رواية أنه كان هناك قارىء ثالث) في المسند ١٢٤/٥ في عدة روايات .
88هذا جزء من حديث طويل عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في : البخاري ١٢/٣ (كتاب الخصومات ، باب كلام الخصوم بعضهم في بعض) ، ١٨٤/٦ - ١٨٥ ( كتاب فضائل القرآن ، باب أنزل القرآن على سبعة أحرف ) ، ۱٧/٩ - ۱۸ ( كتاب المرتدين ، باب ما جاء في المتأولين ) ، ١٥٨/٩ ( كتاب التوحيد ، باب قول الله تعالى : فاقرأوا ما تيسر من القرآن ) ؛ مسلم ٥٦٠/١ ( كتاب صلاة المسافرين ، باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف ) ؛ سنن الترمذي ٢٦٣/٤ - ٢٦٤ ( كتاب القراءات ، باب ما جاء أن القرآن أنزل على سبعة أحرف ) ؛ سنن أبي داود ١٠١/٢ - ۱۰۲ ( كتاب الوتر ، باب أنزل القرآن على سبعة أحرف ) ؛ سنن النسائي ١١٦/٢ - ١١٧ ( كتاب افتتاح الصلاة ، باب جامع ما جاء في القرآن ) ؛ المسند ( ط . المعارف ) ٢٢٤/١ ، ٢٧٤ - ٢٧٥ ، ٢٨٣ - ٢٨٤ . وأول الحديث (البخاري (١٢٢/٣) : ( .... سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها . فجئت به رسول الله ﷺ فقلت : إني سمعت هذا يقرأ على غير ما أقرأتها . فقال لي : أرسله . ثم قال : اقرأ .... الحديث ) .
89زدت « و الله » ليستقيم الكلام .
90جزء من حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه .
91في الأصل : الشيطان ، وهو تحريف.
92مسلم في كتاب الجنة وصفه نعيمها باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار .
93في الأصل : في محبته .
94في الأصل : حسن ، ولعل الصواب ما أثبته .
95في الأصل : هي .
96في الأصل : جنكيسخان ، وأشير إلى الهامش حيث كتب « جنكيز خان » وفوقها كلمة « صوابه » .
97في الأصل : وغيرها .
98في الأصل : جنكيسخان .
99في « لسان العرب » : « والقبط : جيل بمصر ، وقيل : هم أهل مصر ونبطها » .
100 في الأصل : الجيش، وهو تحريف .
101 في الأصل : أبا ، وهو تحريف .
102 في « شفاء الغليل فيما في كلام العرب من الدخيل » لشهاب الدين الخفاجي : مادة « طلسم » : و طلسم: لفظ يوناني لم يعربه من يوثق به ، وكونه مقلوبا من مسلط وهم لا يعتد به. وفي السر المكتوم » : هو عبارة عن علم بأحوال تمزج القوى الفعالة السماوية بالقوى المنفعلة الأرضية لأجل التمكن من إظهار ما يخالف العادة والمنع مما يوافقها . انتهى . وانظر الصفدية ٦٦/١ . وفي « دستور العلماء » لعبد النبي بن عبد الرسول الأحمد نكري (ط. حيدر آباد) : ۲۷۸/۲ : « الطلسم علم يتعرف منه كيفية تمزج القوى الفعالة بالساقة المنفعلة ليحدث عنها أمر غريب في عالم الكون والفساد. واختلف في معنى الطلسم . والمشهور أقوال ثلاثة : الأول : أن الحل بمعنى الأثر فالمعنى أثر اسم. الثاني : أنه لفظ يوناني معناه : عقد لا ينحل. الثالث : أنه كتابة عن مسلط . وعلم الطلسمات أسرع تناولا من علم السحر وأقرب مسلكا ، والسكاكي في هذا الفن كتاب جليل القدر عظيم الخطر » .
103 في الأصل : وكما.
104 توجد في أعلى الصفحة كلمات كتب بعضها فوق بعض غير واضحة وكأنها : « لدلى غير الله شر كبير كله » .
105 في الأصل: يزكى ، وهو تحريف . ولعل الصواب ما أثبته .
106 في الأصل : الحظ ، وهو تحريف . ولعل الصواب ما أثبته .
107 في الأصل : الرقا .
108 ورد الحديث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه في موضعين في: مسلم ١٧٢٦/٤ (كتاب السلام ، باب استحباب الرقية من العين ... ) . وجاء الحديث أيضاً عنه في المسند ( ط . الحلبي ) . ۳۹۳ ، ۳۸۲ ، ٣٣٤ ، ٣٠٢/٣
109 في الأصل : شر ، وهو تحريف . والحديث عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه في: مسلم ١٧٢٧/٤ (كتاب السلام ، باب لا بأس بالرق ما لم يكن فيه شرك ) ؛ سنن أبي داود ١٥/٤ ( كتاب الطب ، باب ما جاء في الرق ) .
110 جاء هذا الأثر في : البخاري ۱۳۷/۷ ( كتاب الطب ، باب هل يستخرج السحر ) . وقال ابن حجر في : فتح الباري ۲۳۳/۱۰ : ..... عن قتادة عن سعيد بن المسيب أنه كان لا يرى بأسا إذا كان بالرجل سحر أن يمشى إلى من يطلق عنه ، فقال : هو صلاح . قال قتادة : وكان الحسن يكره ذلك يقول : لا يعلم ذلك إلا ساحر . قال : فقال سعيد بن المسيب: إنما نهى الله عما يضر ولم ينه عما ينفع. وقد أخرج أبو داود في « المراسيل » عن الحسن رضه : ( النشرة من عمل الشيطان » ووصله أحمد وأبو داود بسند حسن عن جابر . قال ابن الجوزي : « النشرة حل السحر عن المسحور ، ولا يكاد يقدر عليه إلا من يعرف السحر . وقد سئل أحمد عمن يطلق السحر عن المسحور ، فقال : لا بأس به .... قوله : ( به طب ) بكسر الطاء أي سحر ، وقد تقدم توجيهه . قوله : ( أو يُؤخَذ ) بفتح الواو مهموز وتشديد الخاء المعجمة وبعدها معجمة : أي يحبس عن امرأته ولا يصل إلى جماعها . والأخذة بضم الهمزة : هي الكلام الذي يقوله الساحر . وقيل : خرزة يرق عليها ، أو هي الرقية نفسها . قوله : ( أيُحل عنه ) بضم أوله وفتح المهملة . قوله : ( أو ينشر ) بتشديد المعجمة من النشرة بالضم ، وهي ضرب من العلاج يعالج به من يظن أن به سحراً أو مساً من الجن ، قيل لها ذلك لأنه يكشف بها عنه ما خالطه من الداء ) .