Español
تمام الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بالعقوبة الشرعية
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لا يتم إلا بالعقوبات الشرعية ؛ فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن . وإقامة الحدود واجبة على ولاة الأمور ، وذلك يحصل بالعقوبة على ترك الواجبات وفعل المحرمات . فمنها عقوبات مقدرة ، مثل جلد المفتري ثمانين ، وقطع السارق . ومنها عقوبات غير مقدرة قد تسمى التعزير . وتختلف مقاديرها وصفاتها بحسب كبر الذنوب وصغرها . وبحسب حال المذنب . وبحسب حال الذنب في قلته وكثرته .
والتعزير أجناس . فمنه ما يكون بالتوبيخ والزجر بالكلام ، ومنه ما يكون بالحبس ، ومنه ما يكون بالنفي عن الوطن ، ومنه ما يكون بالضرب . فإن كان ذلك لترك واجب مثل الضرب على ترك الصلاة أو ترك أداء الحقوق الواجبة : مثل ترك وفاء الدين مع القدرة عليه ، أو على ترك رد المغصوب ، أو أداء الأمانة إلى أهلها ، فإنه يضرب مرة بعد مرة حتى يؤدى الواجب ، ويفرق الضرب عليه يوماً بعد يوم. وإن كان الضرب على ذنب ماض جزاء بما كسب ونكالاً من الله له ولغيره ، فهذا يفعل منه بقدر الحاجة فقط ، وليس له لأقله حد.
/ وأما أكثر التعزير ، ففيه ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره:
أحدها: عشر جلدات.
والثاني: دون أقل الحدود ، إما تسعة وثلاثون سوطاً ، وإما تسعة وسبعون سوطاً . وهذا قول كثير من أصحاب أبي حنيفة والشافعي وأحمد.
والثالث : أنه لا يتقدر بذلك . وهو قول أصحاب مالك ، وطائفة من أصحاب الشافعي وأحمد ، وهو إحدى الروايتين عنه ، لكن إن كان التعزير فيما فيه مقدر لم يبلغ به ذلك المقدر مثل التعزير على سرقة دون النصاب لا يبلغ به القطع ، والتعزير على المضمضة بالخمر لا يبلغ به حد الشرب ، والتعزير على القذف بغير الزنا لا يبلغ به الحد.
وهذا القول أعدل الأقوال ، عليه دلت سنة رسول الله ﷺ وسنة خلفائه الراشدين ، فقد أمر النبي ﷺ بضرب الذي أحلت له امرأته جاريتها مائة ودرأ عنه الحد بالشبهة1 . وأمر أبو بكر وعمر بضرب رجل وامرأة وجدا في لحاف واحد مائة مائة . وأمر بضرب الذى نقش على خالته وأخذ من بيت المال مائة ، ثم ضربه في اليوم الثاني مائة ، ثم ضربه في اليوم الثالث مائة . وضرب صبيغ بن عسل - لما رأى من بدعته - ضرباً كثيراً لم يعده.
ومن لم يندفع فساده في الأرض إلا بالقتل قتل ، مثل المفرق / لجماعة المسلمين ، والداعي إلى البدع في الدين ، قال تعالى : ﴿ مِن أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ﴾ [المائدة: ٣٢] . وفي الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال : « إذا بويع الخليفتين فاقتلوا الآخر منهما»2 . وقال : « من جاءكم وأمركم على رجل واحد يريد أن يفرق جماعتكم ، فاضربوا عنقه بالسيف كائناً من كان»3 . وأمر النبي ﷺ بقتل رجل تعمد عليه الكذب . وسأله ابن الديلمى عمن لم ينته عن شرب الخمر ، فقال : « من لم ينته عنها فاقتلوه»4.
فلها ذهب مالك وطائفة من أصحاب أحمد إلى جواز قتل الجاسوس ، وذهب مالك ومن وافقه من أصحاب الشافعي إلى قتل الداعية إلى البدع . وليست هذه القاعدة المختصرة موضع ذلك ؛ فإن المحتسب ليس له القتل والقطع . ومن أنواع التعزير : النفي والتغريب ، كما كان عمر بن الخطاب يعزر بالنفي في شرب الخمر إلى خيبر ، وكما نفى صبيغ بن عسل إلى البصرة ، وأخرج نصر بن حجاج إلى البصرة لما افتتن به النساء.
1 أبو داود في الحدود (٤٤٥٨) والترمذي (١٤٥١)، كلاهما عن النعمان بن بشير، وضعفه الألباني.
2 مسلم في الإمارة (٦١/١٨٥٣) عن أبى سعيد الخدرى.
3 سلم في الإمارة (٦٠/١٨٥٢) عن عرفجة بلفظ: «فاقتلوه» وأما رواية: «فاضربوا عنقه بالسيف» فهي في مسلم عن عرفجة من طريق آخر (٥٩/٢٥٨١).
4 أبو داود في الحدود (٤٤٨٢) وابن ماجه في الحدود (٢٥٧٣) وأحمد في المسند ٩٥/٤ كلهم عن معاوية بن أبى سفيان.